هل يصح الأكل مع تارك الصلاة وإذا كانت الإجابة لا ماذا نعمل مع من تجمعنا معه ظروف وأوقات مثل الأفراح السراء والضراء والجار والصديق الذي يحضر لك بأكله عندما يأتون الضيوف والإخوان أفيدونا بذلك مأجورين؟
الجواب
الشيخ: الجواب إن تارك الصلاة تركاً مطلقاً لا يصليها في بيته ولا في المساجد كافر كفراً مخرجاً عن الملة كما دل على ذلك كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأقوال الصحابة والمعنى والاعتبار أما الدلالة من كتاب الله تعالى على كفر تارك الصلاة ففي قوله تعالى في المشركين (فإن تابوا وأقاموا الصلاة وأتوا لزكاة فإخوانكم في الدين) وجعل الله ثبوت الإخوة في الدين مشروطاً بهذه الأمور الثلاثة التوبة من الشرك وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وإذا كانت الإخوة في الدين لا تثبت إلا بهذه الأمور الثلاثة فإن فقدها أو فقد واحد منها يخرج الإنسان من الأخوة في الدين ولا يخرج الإنسان من الإخوة في الدين إلا الكفر وإلا فإن المؤمنين أخوة وإن جرى منهم معاصي بل وإن حصل منهم الكبائر ما عدا الكفر فإذا تاب المشركون من الشرك ولم يقيموا الصلاة فليسوا إخوة لنا في الدين وإن أقاموا الصلاة ولم يؤتوا الزكاة فليسوا إخوة لنا في الدين وإذا لم يكونوا إخوة لنا في الدين فهم كفار وهذا دلالتة واضحة من الآية الكريمة إلا إن منع الزكاة بخلاً وتهاوناً قد دلت السنة على أنه ليس بكفر وذلك فيما رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار وأحمي عليها في نار جنهم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كل ما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار وكون هذا الذي لا يؤدي حقها يمكن أن يرى سبيلاً له إلى الجنة دليل على أنه ليس بكافر إذ أن الكفار لا يمكن أن يرى سبيلاً له إلى الجنة ومن أدلة القرآن أيضاً قوله تعالى (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً) ووجه الدلالة أن الله قال إلا من تاب وآمن وهذا يدل على أنهم كانوا غير مؤمنين حين إضاعتهم للصلاة وأما الدلالة من السنة فمنها ما رواه مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة وقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أهل السنن من حديث بريدة العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر ووجه الدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الصلاة فاصلاً بين الكفر والإيمان وبين المسلمين والكفار والفاصل بين شيئين يستلزم أن يكون كل واحد منهما سوى الآخر وأما الآثار عن الصحابة فمنها ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة وقد نقل إجماع الصحابة رضي الله عنهم على كفر تارك الصلاة عبد الله بن شقيق حيث قال كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة ونقل إجماعهم أيضاً إسحاق بن راهويه الإمام المشهور ونقله غيره أيضاً وأما (المعنى لكفر) تارك الصلاة أن كل مؤمن بما جاء في الصلاة من العناية والرعاية والحث عليها وتخصيصها بخصائص لا توجد في غيرها من العبادات لا يمكنه مع هذا أن يدع الصلاة وفي قلبه شيء من الإيمان فالتلازم بين الإيمان القلبي وبين فعل الصلاة أمر ظاهر ولا يعرفه إلا أرباب القلوب وبهذه الأدلة ألأربعة الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والمعنى يتبين أن القول الراجح في تارك الصلاة أنه كافر كفراً مخرج عن الملة وأنه يجب أن يستتاب فإن تاب ورجع إلى الإسلام بالصلاة وإلا قتل كافراً مرتداً لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين والله يعلم أنني قد بحثت كثيراً في هذه المسألة ونظرت في أدلة القائلين بأن تارك الصلاة لا يكفر فلم أر لهم دليلاً يمكن أن يعارض الأدلة التي ذكرناه في كفر تارك الصلاة وكل الأدلة التي استدلوا بها لا تعدوا واحداً من أربعة أمور فإما أن لا يكون فيها دليل أصلاً وإما أن تكون مقيدة بحال يعذر فيها من لم يصل كما في حديث حذيفة فإن هؤلاء القوم الذين كفتهم كلمة لا إله إلا الله أدركوا الإسلام وهم لا يعلمون عنه شيئاً وإما أن تكون مقيدة بوصف لا يمكن معه ترك الصلاة كحديث عتبان بن مالك إن الله حرم على النار من قال لا إله ألا الله يبتغي بذلك وجه الله وإما أن تكون عامة مخصصة بأدلة كفر تارك الصلاة وأما أن يوجد نص بأن تارك الصلاة لا يكفر أو أن تارك الصلاة يدخل الجنة أو أن تارك الصلاة مؤمن أو ما أشبه ذلك فإن هذا متعذر ولو وجد نحو هذا الدليل لطلب الجمع بينه وبين الأدلة التي تدل على كفره أو الترجيح لكن هذا النوع من الأدلة لم يوجد أبداً ولا يمكن أن تحمل أدلة كفر تارك الصلاة على من تركها جحوداً لأننا لو حملناها على ذلك لألغينا الوصف الذي اعتبره الشرع وهو الترك وأتينا بوصف جديد من عندنا وهو الجحود فيكون في ذلك جناية على النص من وجهين أحدهما إلغاء ما اعتبره الشرع والثاني اعتبار وصف لم يعتبره الشارع ثم إن الجحود مكفر برأسه أو بعبارة أخرى ثم إن الجحود مكفر وحده وإن لم يحصل معه ترك ولهذا لو أن أحد من الناس حافظ على الصلوات في أوقاتها مع الجماعة وهو يعتقد أنها ليست مفروضة بل هي تطوع وللإنسان الخيرة في تركها لو أن أحداً كان على هذه الحال لكان كافراً وإن لم يترك الصلاة فدل ذلك على أن تقييد هذه النصوص بمن ترك الصلاة جاحداً لوجوبها تقييد لا وجه له ونحن عندنا ونحن حين نكفر تارك الصلاة بمقتضى الأدلة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأقوال الصحابة رضي الله عنهم لم نعدوا ما يلزمنا نحو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وذلك أن الحكم بالتكفير وعدمه راجع إلى الشرع كما أن الحكم بالحل والحرمة والإيجاب والاستحباب في الأحكام الشرعية راجع إلى الشرع أيضاً فكذلك الحكم بالتكفير فإذا دلت النصوص على كفر أحد من الناس بعمل من الأعمال أو بترك عمل من الأعمال فليس لنا إلا التسليم بما دل له النص لأن الكل عبيد لله عز وجل وهو الذي يحكم بينهم وفيهم بما تقضيه حكمته قال الله عز وجل (وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله) وقال تعالى (ألا له الحكم) وقال (له الحكم وإليه ترجعون) إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أنه ليس للعباد أن يخرجوا عن ما تقتضيه أدلة كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأن الحكم بما دلت عليه متعين سواء كان ذلك بما يستنكره الناس ويستغربونه أو لأمر لا يستنكرونه بل يألفونه.