الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين أما بعد فإنه بمناسبة السؤال عن تفسير هذه الآية الكريمة أود أن أوجه كلمة إلى إخواني المسلمين فأقول إن الله سبحانه وتعالى قد بين الحكمة من إنزال القرآن على محمدٍ صلى الله عليه وسلم حيث قال (كتابٌ أنزلناه إليك مبارك ليتدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب) فبين الله تعالى الحكمة من إنزال القرآن في شيئين الأول تدبر الآيات وتفهمها ليصل الإنسان إلى معناها الثاني تذكر ما فيها وهو الاتعاظ والعمل بما دلت عليه تصديقاً للأخبار وامتثالاً للأحكام وهذا هو الذي كان عليه الصحابة رضي الله عنهم فقد كانوا لا يتجاوزون عشرة آيات حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل فتعلموا من كتاب الله القرآن والعلم والعمل جميعاً وهذا ينطبق على جميع الأمة إلى يوم القيامة وإنني أحث إخواني المسلمين على تفهم كتاب الله وتدبره والسؤال عن معناه ومطالعة كتب أهل العلم المنطوق بتفسيرهم إذا كان يستطيع أن يصل إلى المعنى بهذه المطالعة حتى يذوق طعم القرآن ويعرف عظمة القرآن أما قراءة القرآن بدون فهم معناه فلا شك أن فيها خيراً كثيراً وفيها أجرٌ عظيم فإن من قرأ القرآن فله بكل حرفٍ منه عشر حسنات لكن تمام ذلك والفائدة العظيمة الكبيرة هو بتحقيق ما أنزله الله من أجله وهو التدبر والاتعاظ ثم ليعلم أن هذا القرآن الكريم إذا حمله الإنسان فهو كما قال رسول الله عليه الصلاة والسلام حجة لك أو عليك فإن قمت بواجبك من تصديق الأخبار والعلم بالأحكام وقبول ذلك بانشراح وطمأنينة كان حجةً لك وإن كان الأمر بخلاف ذلك كان عليك من الحجة بقدر ما فرطت فيه أو اعتديت ومن المعلوم أن الإنسان لو طلب منه تنفيذ ما في كتابٍ مرسوم من جهةٍ من الجهات لكان يقرأ هذا الكتاب ويتفهم معناه ويستفهم عن معناه حتى يتمكن من تطبيقه والعمل به فكيف بالكتاب العظيم النازل من عند الله عز وجل الذي كلف الله عباده العمل به كيف لا يدري الإنسان عن معناه لا يتفهم ولا يستفهم ولا يبالي هذا في الحقيقة تفريط كبير أما ما يتعلق بالسؤال عن الآية التي ذكرها في قوله (إن هذا أخي له تسعٌ وتسعون نعجة ولي نعجةٌ واحدة) فهذه في سياق قصةٍ وقعت على نبي الله داؤد فإن الله سبحانه وتعالى ذكر هذه القصة في قوله (وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب إذا دخلوا على داؤد ففزع منهم... الخ) فذكر الله هذه القصة مصدراً لها بالاستفهام الدال على التشويق (وهل أتاك نبأ الخصم إذا تسوروا المحراب) أي دخلوا من السور لا من الباب لأن الباب كان مغلقاً والمحراب مكان العبادة وليس هو الذي نعرفه الآن طاق القبلة ولكنه مكان العبادة ولو كان حجرة مدورة أو مربعة المهم أنهم لما تسوروا عليه الجدار فدخلوا عليه فزع منهم لأن ذلك على خلاف العادة وما خرج عن العادة فطبيعة البشر تقتضي أن يفزع منه لا سيما في مثل هذه الصورة فقالوا له لا تخف خصمان يعني نحن خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط ثم ذكروا القصة إن هذا أخي له تسعٌ وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة والنعجة هي الواحدة من الشياه ولي نعجةٌ واحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب أي غلبني في خطابه لقوته وفصاحته وبيانه فقال له داؤد لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه فحكم له داؤد عليه الصلاة والسلام دون أن يسمع من خصمه وطريقة الحكم أن لا يحكم الحاكم حتى ينظر ما لدى الخصم قال الله تعالى (وإن كثيراً من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعضٍ إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليلٌ منهم وظن داؤد أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعاً وأناب) أي أيقن أننا اختبرناه بهذه الخصومة وذلك أنه عليه الصلاة والسلام اشتغل بالعبادة الخاصة عن الحكم بين الناس فأغلق الباب دونهم والحاكم ينبغي له أن يكون فاتحاً بابه لمن يأتيه من الخصوم حتى يحكم بينهم وأيضاً حكم للخصم دون أن يسمع حجة خصمه وأيضاً تعجل بذلك أي بالحكم قبل سؤال الخصم من أجل أن يرجع إلى عبادته فعلم عليه الصلاة والسلام أن الله اختبره بهذا فخر راكعاً وأناب تائباً إلى لله عز وجل قال الله تعالى (فغفرنا له ذلك) وما يروى في هذه القصة من أن داؤد عليه الصلاة والسلام رأى زوجة رجلٍ فأعجبته فتحيل على الوصول إليها بأن أمره أن يخرج في الغزو ليقتل فيأخذ زوجته فهذا كذب لا يليق بأدنى واحدٍ من الناس عقلاً وأمانة فكيف بنبي الله داؤد عليه الصلاة والسلام وهذه القصة مما دسه اليهود على بعض الناس حتى فسر بها كلام الله عز وجل فلا يجوز لأحد أن ينزل الآية على ذلك ولا أن يروي هذا للناس إلا إذا كان يريد أن يبين أنها ضعيفة وباطلة فهذا لا بأس به بل هو واجب لأن الناس قد اشتهر عند كثيرٍ منهم أن هذه القصة هي ما ذكرت من أن داؤد أعجبته زوجة رجلٍ من الناس فتحيل على رجل بأن بعثه للغزو فيقتل فيأخذ زوجته من بعده وهذا كذبٌ لا يجوز ذكره إلا لمن أراد أن يبين أنه كذب