ثلاثون سببا للسعادة
إعداد:/محمد بن عبدالله بن إبراهيم الشايع
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله،صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا. قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون )) آل عمران: آية 104.
أما بعد: فإن راحة القلب، وسروره وزوال همومه وغمومه، هو المطلب لكل أحد وبه تحصل الحياة الطيبة، ويتم السرور والابتهاج. ولذلك أسباب دينية، وأسباب طبيعية، وأسباب عملية، ولا يمكن اجتماعها كلها إلا للمؤمنين وأما من سولهم ، فإنها وإن حصلت لهم من وجه فاتتهم من وجوه أنفع وأثبت وأحسن حالا ومآلا
معا- أيها القارئ الكريم – نلتقي في طريق من طرق الخير ، ودرب من دروب المحبة ومسلك من مسالك السعادة .
قد يختلف الناس في مذاهبهم ، ويختلفون في أعراقهم ويختلفون في مشاربهم بل قد يختلفون في مبادئهم وغاياتهم ومقاصدهم، إلا غاية واحدة ربما اتفقوا عليها، من أولهم إلى آخرهم إنها: طلب السعادة.
المؤمن والكافر، البر والفاجر، كل واحد منهم يريد السعادة ولو سألته: لم تعمل هذا؟ لقال: أريد السعادة!! سواء أقالها بحروفها أم بمعناها.
من هذا المنطلق جعلت بين يديك أخي القارئ الكريم هذا الكتاب وفيه ثلاثون سببا للسعادة أسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا وإياكم بها وأن يرزقنا وإياكم الحياة الطيبة السعيدة حياة السعداء، وأن يرزقنا الصبر واليقين إنه سميع مجيب.
السبب الأول :فكر واشكر
والمعنى أن تذكر نعم الله عليك فإذا هي تغمرك من فوقك؟ من تحت قدميك ((وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها)) صحة في بدن، أمن في وطن، غذاء وكساء، وهواء وماء، لديك الدنيا وأنت ما تشعر، تملك الحياة وأنت لا تعلم ((وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة)) عندك عينان، ولسان وشفتان، ويدان ورجلان ((فبأي ءالآء ربكما تكذبان )) هل هي مسألة سهلة أن تمشي على قدميك، وقد بترت أقدام، وأن تعتمد على ساقيك، وقد قطعت سوق، أحقير أن تنام ملء عينيك وقد أطار الألم نوم الكثير، وأن تملأ معدتك من الطعام الشهي، وأن تكرع من الماء البارد وهناك من عكر عليه الطعام، ونغص عليك الشراب بأمراض وأسقام. تفكر في سمعك وقد عوفيت من الصمم، وتأمل في نظرك وقد سلمت من العمى، وانظر إلى جلدك وقد نجوت من البرص والجذام، والمح عقلك وقد أنعم عليك بحضوره ولم تفجع بالجنون والذهول.
أتريد في بصرك وحده كجبل أحد ذهبا، أتحب بيع سمعك وزن ثهلان فضة، هل تشتري قصور الزهراء بلسانك فتكون أبكم، هل تقايض بيديك مقابل عقود اللؤلؤ والياقوت لتكون أقطع، إنك في نعم عميمة وأفضال جسيمة، ولكنك لا تدري، تعيش مهموما مغموما حزينا كئيبا وعندك الخبز الدافئ.، والماء البارد، والنوم الهانئ، والعافية الوارفة، تتفكر في المفقود ولا تشكر الموجود، تنزعج من خسارة مالية وعندك مفتاح السعادة، وقناطير مقنطرة من الخير والمواهب والنعم والأشياء، فكر واشكر، (( وفى أنفسكم أفلا تبصرون )) فكر في نفسك، وأهلك، وبيتك، وعملك، وعافيتك، وأصدقائك، والدنيا من حولك ((يعرفون نغمت الله ثم ينكرونها)).
السبب الثاني: ما مضى فات
تذكر الماضي والتفاعل معه واستحضاره، والحزن لمآسيه حمق وجنون، وقتل للإرادة وتبديد للحياة الحاضرة. إن ملف الماضي عند العقلاء يطوى ولا يروى، يغلق عليه أبدا في زنزانة النسيان، يقيد بحبال قوية في سجن الإهمال فلا يخرج أبدا، ويوصد عليه فلا ترى النور، لأنه مضى وانتهى، لا الحزن يعيده، لا الهم يصلحه، لا الغم يصحح!، لا الكدر يحييه؟ لأنه عدم،- لا تعش في كابوس الماضي وتحت مظلة الفائت، أنقذ نفسك من شبح الماضي، أتريد أن ترد النهر إلى مصبه، والشمس إلى طلعها، والطفل إلى بطن أمه، واللبن إلى الثدي، والدمعة إلى العين، إنك بتفاعلك مع الماضي، وقلقك منه واحتراقك بناره، وانطراحك على أعتابه وضعا مأساويا رهيبا مخيفا مفزعا.
القراءة في دفتر الماضي ضياع للحاضر، وتمزيق للجهد، ونسف للساعة الراهنة، ذكر الله الأمم وما فعلت ثم قال: (تلك أمة قد خلت )- انتهى الأمر و.قضي، ولا طائل من تشريح جثة الزمان، وإعادة عجلة التاريخ.
إن الذي يعود للماضي، كالذي يطحن الطحين وهو مطحون أصلا، وكالذي ينشر نشارة الخشب. وقديما قالوا لمن يبكي على الماضي: لا تخرج الأموات من قبورهم، وقد ذكر من يتحدث على ألسنة البهائم أنهم قالوا للحمار لم لا تجتر؟ قال: أكره الكذب.
إن بلائنا أننا نعجز عن حاضرنا ونشتغل بماضينا، نهمل قصورنا الجميلة، ونندب الأطلال البالية، ولئن اجتمعت الإنس والجن على إعادة ما مضى لما استطاعوا لأن هذا هو المحال بعينه.
إن الناس لا ينظرون إلى الوراء ولا يلتفتون إلى الخلف، لأن الريح تتجه إلى الأمام والماء ينحدر إلى الأمام والقافلة تسير إلى الأمام، فلا تخالف سنة الحياة.
السبب الثالث: يومك يومك
إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، اليوم فحسب ستعيش، فلا أمس الذي ذهب بخيره وشره، ولا الغد الذي لم يأت إلى الآن. اليوم الذي أظلتك شمسه، وأدركك نهاره هو يومك فحسب، عمرك يوم واحد، فاجعل في خلدك العيش لهذا اليوم وكأنك ولدت فيه وتموت فيه حينها لا تتعثر حياتك بين هاجس الماضي وهمه وغمه، وبين توقع المستقبل وشبحه المخيف وزحفه المرعب، لليوم فقط اصرف تركيزك واهتمامك وإبداعك وكدك وحدك، فلهذا اليوم لابد أن تقدم صلاة خاشعة وتلاوة بتدبر واطلاعا بتأمل، وذكرا بحضور، واتزانا في الأمور، وحسنا في خلق، ورضا بالمقسوم، واهتماما بالمظهر، واعتناء بالجسم، ونفعا للآخرين. لليوم هذا الذي أنت فيه فتقسم ساعاته وتجعل من دقائقه سنوات، ومن ثوانيه شهور، تزرع فيه الخير، تسدي فيه الجميل تستغفر فيه من الذنب، تذكر فيه الرب، تتهيأ للرحيل، تعيش هذا اليوم فرحا وسرورا،
وأمنا وسكينة، ترضى فيه برزقك، بزوجتك، بأطفالك بوظيفتك، ببيتك، بعلمك، بمستواك ((فخذ ما ءاتيتك وكن من الشاكرين )) تعيش هذا اليوم بلا حزن ولا انزعاج، ولا سخط، ولا حقد، ولا حسد.
إن عليك أن تكتب على لوح قلبك عبارة واحدة تجعلها أيضا على مكتبك تقول العبارة: يومكَ يومك. إذا أكلت خبزا حارا شهيا هذا اليوم فهل يضرك خبز الأمس الجاف الرديء، أو خبز غد الغائب المنتظر.
إذا شربت ماء عذبا زلالا هذا اليوم، فلماذا تحزن من ماء أمس الملح الأجاج، أو ماء غد الآسن الحار.
إنك لو صدقت مع نفسك بإرادة فولاذية صارمة عارمة لأخضعتها لنظرية: لن أعيش إلا هذا اليوم. حينها تستغل كل لحظة في هذا اليوم في بناء كيانك وتنمية مواهبك، وتزكية عملك، فتقول: لليوم فقط أهذب ألفاظي فلا أنطق هجرا أو فحشا، أو سبا، أو غيبة، لليوم فقط سوف أرتب بيتي ومكتبتي، فلا ارتباك ولا بعثرة، وإنما نظام ورتابة. لليوم فقط سوف أعيش فأعتني بنظافة جسمي، وتحسين مظهري والاهتمام بهندامي، والاتزان في مشيتي وكلامي وحركاتي.
لليوم فقط سأعيش فأجتهد في طاعة ربي، وتأدية صلاتي على أكمل وجه، والتزود بالنوافل، وتعاهد مصحفي، والنظر في كتبي، وحفظ فائدة، ومطالعة كتاب نافع.
لليوم فقط سأعيش فاغرس في قلبي الفضيلة واجتث منه شجرة الشر بغصونها الشائكة من كبر وعجب ورياء وحسد وحقد وغل وسوء ظن.
لليوم فقط سوف أعيش فأنفع الآخرين، وأسدي الجميل إلى الغير، أعود مريضا، أشيع جنازة، أدل حيران، أطعم جائعا، أفرج عن مكروب، اقف مع مظلوم، اشفع لضعيف، أواسي منكوبا، اكرم عالما، ارحم صغيرا، أجل كبيرا.
لليوم فقط سأعيش فيا ماض ذهب وانتهى اغرب كشمسك، فلن. أبكي عليك ولن تراني أقف لأتذكرك لحظة؛ لأنك تركتنا وهجرتنا وارتحلت عنا ولن تعود إلينا أبد الآبدين.
ويا مستقبل أنت في عالم الغيب فلن أتعامل مع الأحلام، ولن أبيع نفسي مع الأوهام ولن أتعجل ميلاد مفقود؟ لأن غدا لا شيء لأنه لم يخلق ولأنه لم يكن مذكو ر ا.
يومكَ يومك أيها الإنسان أروع كلمة في قاموس السعادة لمن أراد الحياة في أبهى صورها وأجمل حللها.
السبب الرابع: اترك المستقبل حتى يأتي
((أتى أمر الله فلا تستعجلوه)) لا تستبق الأحداث، أتريد إجهاض الحمل قبل تمامه، وقطف الثمرة قبل النضج، إن غدا مفقود لا حقيقة له، ليس له وجود ولا طعم، ولا لون، فلماذا نشغل أنفسنا به، ونتوجس من مصائبه ونهتم لحوادثه، ونتوقع كوارثه، ولا ندري هل يحال بيننا وبينه، أو نلقاه، فإذا هو سرور وحبور، المهم أنه في عالم الغيب لم يصل إلى الأرض بعد، إن علينا أن لا نعبر جسرا حتى نأتيه، ومن يدري؟ لعلنا نقف قبل وصول الجسر، أو لعل الجسر ينهار قبل وصولنا، وربما وصلنا الجسر ومررنا عليه بسلام.
إن إعطاء الذهن مساحة أوسع للتفكير في المستقبل وفتح كتاب الغيب ثم الاكتواء بالمزعجات المتوقعة ممقوت شرعا؟ لأنه طول أمل، ومذموم عقلا؟ لأنه مصارعة للظل. إن كثيرا من هذا العالم يتوقع في !قبله الجوع والعري والمرض والفقر والمصائب، وهذا كله من مقررات مدارس الشيطان ((الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم- بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا)).
كثير هم الذين يبكون؟ لأنهم سوف يجوعون غدا، وسوف يمرضون بعد سنة، وسوف ينتهي العالم بعد مائة عام. إن الذي عمره في يد غيره لا ينبغي له أن يراهن على العدم، والذي لا يدري متى يموت لا يجوز له الاشتغال بشيء مفقود لا حقيقة له.
اترك غدا حتى يأتيك، لا تسأل عن أخباره، لا تنتظر زحوفه؟ لأنك مشغول باليوم.
وإن تعجب فعجب هؤلاء يقترضون الهم نقدا ليقضوه نسيئة في يوم لم تشرق شمسه ولم ير النور، فحذار من طول الأمل.
السبب الخامس:كيف تواجه النقد الآثم
الرقعاء السخفاء سبوا الخالق الرازق جل في علاه، وشتموا الواحد الأحد لا إله إلا هو، فماذا أتوقع أنا وأنت ونحن أهل الحيف والخطأ، إنك سوف تواجه في حياتك حربا ضروسا لا هوادة فيها من النقد الآثم المر، ومن التحطيم المدروس المقصود، ومن الإهانة المتعمدة مادام أنك تعطي وتبني وتؤثر وتسطع وتلمع، ولن يسكت هؤلاء عنك حتى تتخذ نفقا في الأرض أو سلما في السماء فتفر من هؤلاء، أما وأنت بين أظهرهم فانتظر منهم ما يسؤك ويبكي عينك، ويدمي مقلتك، ويقض مضجعك.
حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه فالناس أعداء له وخصوم
إن الجالس على الأرض لا يسقط، والناس لا يرفسون كلبا ميتا، لكنهم يغضبون عليك لأنك فقتهم صلاحا، أو علما، أو أدبا، أو مالا، فأنت عندهم مذنب لا توبة لك حتى تترك مواهبك ونعم الله عليك،وتنخلع من كل صفات الحمد، وتنسلخ من كل معاني النبل، وتبقى بليدا غبيا، صفرا محطما، مكدودا هذا ما يريدون بالضبط.
إذا فاصمد لكلام هؤلاء ونقدهم وتشويههم وتحقيرهم (( أثبت أحد)) وكن كالصخرة الصامتة المهيبة تتكسر عليها حبات البرد لتثبت وجودها وقدرتها على البقاء. إنك إن أصغيت لكلام هؤلاء وتفاعلت به حققت أمنيتهم الغالية في تعكير حياتك وتكدير عمرك، ألا فاصفح الصفح الجميل، ألا فأعرض عنهم ولا تك في ضيق مما يمكرون. إن نقدهم السخيف ترجمة محترمة لك، وبقدر وزنك يكون النقد الآثم المفتعل. إنك لن تستطيع أن تغلق أفواه هؤلاء ولن تستطيع أن تعتقل ألسنتهم لكنك تستطيع أن تدفن نقدهم وتجنيهم بتجافيك لهم، وإهمالك لشأنهم، وإطراحك لأقوالهم (( قل موتوا بغيظكم )).
ما أبالي أنب بالحزن تيس أو لحاني بظهر غيب لئيم
بل تستطيع أن تصب في أفواههم الخردل بزيادة فضائلك وتربية محاسنك وتقويم اعوجاجك.
إذا محاسني اللاتي أدل بها كانت عيوبي فقل لي كيف أعتذر
إن كنت تريد أن تكون مقبولا عند الجميع محبوبا لدى الكل سليما من العيوب عند العالم فقد طلبت مستحيلا وأفلت أملا بعيدا.
قال حاتم:
وكلمة حاسد من غير جرم سمعت فقلت مر فانفذيني
وعابوهـا علي ولـم تعبني ولم ينـد لها أبـدا جبيني
السبب السادس: لا تنتظر شكرا من أحد
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه لا يذهب العرف بين الله والناس
خلق الله العباد ليذكروه ورزق الله الخليقة ليشكروه، فعبد الكثير غيره، وشكر الغالب سواه؟ لأن طبيعة الجحود والنكران والجفاء وكفران النعم غالبة على النفوس، فلا لصدم إذا وجدت هؤلاء قد كفروا جميلك، وأحرقوا إحسانك، ونسوا معروفك، بل ربما ناصبوك العداء، ورموك بمنجنيق الحقد الدفين، لا لشيء إلا لأنك أحسنت إليهم ((وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله)).
وطالع سجل العالم المشهود، فإذا في فصوله قصه أب ربى ابنه وغذاه وكساه وأطعمه وسقاه، وأدبه، وعلمه، سهر لينام، وجاع ليشبع، وتعب ليرتاح، فلما طر شارب هذا الابن وقوي ساعده، أصبح لوالده كالكلب العقور، استخفافا، ازدراء، مقتا، عقوقا، صارخا، عذابا وبيلا.
ألا فليهدأ الذين احترقت أوراق جميلهم عند منكوسي الفطر، ومحطمي الإرادات، وليهنؤا بعوض المثوبة عند من لا تنفذ خزائنه.
إن هذا الخطاب الحار لا يدعوك لترك الجميل، وعدم الإحسان للغير، وإنما يوطنك على انتظار الجحود والتنكر لهذا الجميل والإحسان، فلا تبتئس بما كانوا يصنعون.
اعمل الخير لوجه الله، لأنك الفائز على كل حال،ثم لا يضر غمط من غمطه، ولا جحود من جحده، واحمد الله لأنك المحسن، وهو المسيء، واليد العليا خير من اليد السفلى ((إ نما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا)).
وقد ذهل كثير من العقلاء من جبلة الجحند عند الغوغاء، وكأنهم ما سمعوا الوحي الجليل وهو ينعي على الصنف عتوه وتمرده ((مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه )) لا تفاجأ إذا أهديت بليدا قلما فكتب به هجاءك، أو منحت جافيا عصا يتوكأ عليها ويهش بها على غنمه، فشج بها رأسك،.هذا هو الأصل عند هذه البشرية المحنطة في كفن الجحود مع باريها جل في علاه، فكيف بها معي ومعك .
أعلمه الرماية كل يوم فلما اشتد ساعده رماني
السبب السابع : الإحسان إلى الغير انشراح للصدر
الجميل كاسمه ، والمعروف كرسمه ، والخير كطعمه. أول المستفيدين من السعادة الناس هم المتفضلون بهذا الإسعاد يجنون ثمراته عاجلا في نفوسهم ، وأخلاقهم وضمائرهم ، فيجدون الانشراح والانبساط، والهدوء والسكينة.
فإذا طاف بك طائف من أو ألم بك غم فامنح غيرك معروفا واسد لهم جميلا تجد الفرج- والراحة. أعط . محروما، انصر مظلوما، أنقذ مكروبا، أطعم جائعا، عد مريضا، أعن منكوبا، تجد السعادة تغمرك من بين يديك ومن خلفك.
إن فعل الخير كالمسك ينفع حامله وبائعه ومشتريه، وعوائد الخير النفسيه عقاقير مباركة تصرف في صيدلية الذين عمرت قلوبهم بالبر والإحسان.
إن توزيع البسمات المشرقة على فقراء الأخلاق صدقة جارية في عالم القيم "ولو أن تلقى أخاك بوجه طلقا " وإن عبوس الوجه إعلان حرب ضروس على الآخرين لا يعلم قيامها إلا علام الغيوب.
شربة ماء من كف بغي لكلب عقور أثمرت دخول جنة عرضها السماوات والأرض لأن صاحب الثواب غفور شكور جميل، يحب الجميل، غني حميد.
يا من تهددهم كوابيس الشقاء والفزع والخوف هلموا إلى بستان المعروف وتشاغلوا بالغير، عطاء وضيافة ومواساة وإعانة وخدمة وستجدون السعادة طعما ولونا وذوقا (( وما لأحد عنده من نعمة تجزى . إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى . ولسوف يرضى ))
السبب الثامن :طرد الفراغ بالعمل
الفارغون في الحياة هم أهل الأراجيف والشائعات. لأن أذهانهم موزعة ((رضوا بأن يكونوا مع الخوالف )).
إن أخطر حالات الذهن يوم يفرغ صاحبه من العمل فيبقى كالسيارة المسرعة في انحدار بلا سائق تجنح ذات اليمين وذات الشمال.
يوم تجد في حياتك فراغا فتهيأ حينها- للهم والغم والفزع؟ لأن هذا الفراغ يسحب لك كل ملفات الماضي والحاضر والمستقبل من أدراج الحياة فيجعلك في أمر مريج، ونصيحتي لك ولنفسي أن تقوم بأعمال مثمرة بدلا من هذا الاسترخاء القاتل لأنه وأد خفي، وانتحار بكبسول مسكن.
إن الفراغ أشبه بالتعذيب البطيء الذي يمارس في سجون الصين بوضع السجين تحت أنبوب يقطر كل دقيقة قطرة، وفي فترات انتظار هذه القطرات يصاب السجين بالجنون.
الراحة غفلة، والفراغ لص محترف، وعقلك هو فريسة ممزقة لهذه الحروب الوهمية.
إذا قم الآن صل أو اقرأ، أو سبح، أو طالع، أو اكتب، أو رتب مكتبتك، أو اصلح بيتك، أو انفع غيرك حتى تقضي على الفراغ وإني لك من الناصحين. اذبح الفراغ بسكين العمل، ويضمن لك أطباء العالم 50% من السعادة مقابل هذا الإجراء الطارئ فحسب، انظر إلى الفلاحين والخبازين والبناءين يغردون بالأناشيد كالعصافير في سعادة وراحة وأنت على فراشك تمسح دموعك وتضطرب لأنك ملدوغ.
السبب التاسع: لا تكن إمعة
لا تتقمص شخصية غيرك ولا تذب في الآخرين. إن هذا هو العذاب الدائم، وكثير هم الذين ينسون أنفسهم وأصواتهم وحركاتهم، وكلامهم، ومواهبهم، وظروفهم، لينصهروا في شخصيات الآخرين، فإذا التكفف والصلف، والاحتراق، والإعدام للكيان وللذات.
من آدم إلى آخر الخليقة لم يتفق اثنان في صورة واحدة، فلماذا يتفقون في المواهب والأخلاق.
أنت شيء آخر لم يسبق لك في التاريخ مثال ولن يأتي مثلك في الدنيا شبيه.
أنت مختلف تماما عن زيد وعمرو فلا تحشر نفسك في سرداب التقليد والمحاكاة والذوبان.
انطلق على هيئتك وسجيتك (( قد علم كل أناس مشربهم)) ((ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات)) عش كما خلقت لا تغير صوتك، لا تبدل نبرتك، لا تخالف مشيتك، هذب نفسك بالوحي، ولكن لا تلغي وجودك وتقتل استقلالك.
أنت لك طعم خاص ولون خاص ونريدك أنت بلونك هذا وطعمك هذا، لأنك خلقت هكذا وعرفناك هكذا لا يكن أحدكم إمعة ".
إن الناس في طبائعهم أشبه بعالم الأشجار: حلو وحامض، وطويل وقصير، وهكذا فليكونوا. فإن كنت كالموز فلا تتحول إلى سفرجل؟ لأن جمالك وقيمتك أن تكون موزا، إن اختلاف ألواننا وألسنتنا ومواهبنا وقدراتنا آية من آيات الباري فلا تجحد آياته.
السبب العاشر : قضاء وقدر
ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها، جف القلم، رفعت الصحف، قضي الأمر، كتبت المقادير، لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، ما أصابك لم يكن ليخطأك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك.
إن هذه العقيدة إذا رسخت في نفسك وقرت في ضميرك صارت البلية عطية، والمحنة منحة، وكل الوقائع جوائز وأوسمة من "يرد الله به خيرا يصب منه " فلا يصيبك قلق من مرض أو موت إبن، أو خسارة مالية، أو احتراق بيت، فإن الباري قد قدر والقضاء قد حل، والاختيار هكذا، والخيرة لله، والأجر حصل، والذنب كفر.
هنيئا لأهل المصائب صبرهم ورضاهم عن الآخذ، المعطي، القابض، الباسط، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
ولن تهدأ أعصابك وتسكن بلابل نفسك، وتذهب وساوس صدرك حتى تؤمن بالقضاء والقدر، جف القلم بما أنت لاق، فلا تذهب نفسك حسرات، لا تظن أنه كان بوسعك إيقاف الجدار أن ينهار، وحبس الماء أن ينسكب، ومنع الريح أن تهب، وحفظ الزجاج أن ينكسر، هذا ليس بصحيح على رغمي ورغمك، سوف يقع المقدور، وينفذ القضاء، ويحل المكتوب (( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)) .
استسلم للقدر قبل أن تطوق بجيش السخط والتذمر والعويل، اعترف بالقضاء قبل أن يدهمك سبل الندم، إذا فليهدأ بالك إذا فعلت الأسباب، وبذلت الحيل، ثم وقع ما كنت تحذر، فهذا هو الذي كان ينبغي أن يقع، ولا تقل الو أني فعلت كذا وكذا لكان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل ".
السبب الحادي عشر : إن مع العسر يسرا
يا إنسان بعد الجوع شبع، وبعد الظمأ ري، وبعد السهر نوم، وبعد المرض عافية، سوف يصل الغائب ويهتدي الضال، ويفك العاني، وينقشع الظلام (فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده)) .
بشر الليل بصبح صادق يطارده على رؤوس الجبال، ومسارب الأودية، بشر المهموم بفرج مفاجئ يصل في سرعة الضوء ولمح البصر، بشر المنكوب بلطف خفي وكف حانية وادعة.
إذا رأيت الصحراء تمتد تمتد، فاعلم أن ورائها رياضا خضراء وارفة الظلال.
إذا رأيت الحبل يشتد يشتد، فاعلم أنه سوف ينقطع.
أحسن كلمة قالها العرب في الجاهلية:
الغمرات ثم ينلجنه ثمت يذهبن ولا يجنه
مع الدمعة بسمة، ومع الخوف أمنا، ومع الفزع سكينة، النار لا تحرق إبراهيم التوحيد؟ لأن الرعاية الربانية فتحت نافذة بردا وسلاما.
البحر لا يغرق كليم الرحمن؟ لأن الصوت القوي الصادق نطق بكلا إن معي ربي سيهدين.
المعصوم في الغار بشر صاحبه بأنه وحده معنا فنزل الأمن والفتح والسكينة.
إن عبيد ساعاتهم الراهنة وأرقاء ظروفهم القاتمة لا يرون إلا النكد والضيق والتعاسة، لأنهم لا ينظرون إلا إلى جدار الغرفة وباب الدار فحسب. ألا فليمدوا أبصارهم وراء الحجب وليطلقوا أعنة أفكارهم إلى ما وراء الأسوار.
إذا فلا تضق ذرعا فمن المحال دوام الحال، وأفضل العبادة انتظار الفرج، الأيام دول، والدهر قلب، والليالي حبالى، والغيب مستور، والحكيم كل يوم هو في شأن، ولعل الله يحدث بعد ذلك أمرا، وإن مع العسر يسرا.
السبب الثاني عشر : اصنع من الليمون شرابا حلوا
الذكي الأريب يحول الخسائر إلى أرباح، والجاهل الرعديد يجعل المصيبة مصيبتين.
طرد الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة فأقام في المدينة، دولة ملأت سمع التاريخ وبصره.
سجن أحمد بن حنبل وجلد، فصار إمام السنة، .وحبس ابن تيمية، فأخرج من حبسه علما جما، ووضع السرخسي في قعر بئر معطلة، فأخرج عشرين مجلدا في الفقه، وأقعد ابن الأثير فصنف جامع الأصول والنهاية من أشهر وأنفع كتب الحديث، ونفي ابن الجوزي من بغداد، فجود القراءات السبع، وأصابت حمى الموت مالك بن الريب، فأرسل للعالمين قصيدته الرائعة الذائعة التي تعدل دواوين شعراء الدولة العباسية، ومات أبناء أبي ذوئيب الهذلي فرثاهم بإلياذة أنصت لها الدهر، وذهل منها الجمهور، وصفق لها التاريخ.
إذا داهمتك داهية فانظر في الجانب المشرق منها، وإذا ناولك أحدهم كوب ليمون فأضف إليه حفنة من سكر، وإذا أهدى لك ثعبانا فخذ جلده الثمين واترك باقيه، وإذا لدغتك عقرب فاعلم أنه مصل واقي ومناعة حصينة ضد سم الحيات.
تكيف في ظرفك القاسي، لتخرج لنا منه زهرا ووردا وياسمينا، وعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا.
سجنت فرنسا قبل ثورتها العارمة شاعرين مجيدين متفاءلا ومتشاءما فأخرجا رؤوسهما من نافذة السجن. فأما المتفاءل فنظر نظرة في النجوم فضحك. وأما المتشاءم فنظر إلى الطين في الشارع المجاور فبكى. انظر إلى الوجه الآخر للمأساة؟ لأن الشر المحض ليس موجودا بل هناك خير ومكسب وفتح وأجر.
السبب الثالث عشر :أمن يجيب المضطر إذا دعاه
من الذي يفزع إليه المكروب، ويستغيث به المنكوب، وتصمد إليه الكائنات وتسأله المخلوقات وتلهج بذكره الألسن، وتألهه القلوب إنه الله لا إله إلا هو.
وحق علي وعليك أن ندعوه في الشدة والرخاء، والسراء والضراء، ونفزع إليه في الملمات، ونتوسل إليه في الكربات، وننطرح على عتبات بابه سائلين باكين ضارعين منيبين، حينها يأتي مدده ويصل عونه ويسرع فرجه، ويحل فتحه (( أمن يجيب المضطر إذا دعاه )) فينجي الغريق ويرد الغائب، ويعافي المبتلى، وينصر المظلوم، ويهدي الضال، ويشفي المريض، ويفرج عن المكروب (( فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين )). ولن أسرد عليك هنا أدعية إزاحة الهم والغم والحزن والكرب، ولكن أحيلك إلى كتب السنة لتتعلم شريف الخطاب معه فتناجيه وتناديه وتدعوه وترجوه، فإن وجدته وجدت كل شيء، وإن فقدت الإيمان به فقدت
كل شيء، إن دعائك ربك عبادة أخرى، وطاعة عظمى ثانية فوق حصول المطلوب، وإن عبدا يجيد فن الدعاء حري أن لا يهتم ولا يغتم ولا يقلق، كل الحبال تتصرم إلا حبله، كل الأبواب توصد إلا بابه، وهو قريب سميع مجيب، يجيب المضطر إذا دعاه. يأمرك وأنت الفقير الضعيف المحتاج، وهو الغني القوي الواحد الماجد، بأن تدعوه (( ادعوني أستجب لكم )). إذا نزلت بك النوازل وألمت بك الخطوب، فالهج بذكره، واهتف باسمه، واطلب مدده واسأله فتحه ونصره، مرغ الجبين لتقديس اسمه، لتحصل على تاج الحرية، وأرغم الأنف في طين عبوديته لتحوز وسام النجاة. مد يديك، أرفع كفيك، أطلق لسانك، أكثر من طلبه، بالغ في سؤاله،- ألح عليه، إلزم بابه، انتظر لطفه، ترقب فتحه، أشد باسمه، أحسن ظنك فيه، انقطع إليه، تبتل إليه تبتيلا حتى تسعد وتفلح.
السبب الرابع عشر: وليسعك بيتك
العزلة الشرعية السنية: بعدك عن الشر وأهله، والفارغين واللاهين والفوضويين، فيجتمع عليك شملك، ويهدأ بالك، ويرتاح خاطرك، ويجود ذهنك، بدرر الحكم ويسرح طرفك في بستان المعارف.
إن العزلة عن كل ما يشغل عن الخير والطاعة دواء عزيز جربه أطباء القلوب فنجح أيما نجاح، وأنا أدلك عليه، في العزلة عن الشر واللغو وعن الدهماء تلقيح للفكر، وإقامة لناموس الخشية، واحتفال بمولد الإنابة والتذكر، وإنما كان الاجتماع المحمود والاختلاط الممدوح في الصلوات والجمع ومجالس العلم والتعاون على الخير، أما مجالس البطالة والعطالة فحذار حذار، اهرب بجلدك، ابك على خطيئتك، وامسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، الاختلاط الهمجي حرب شعواء على النفس، وتهديد خطير لدنيا الأمن والاستقرار في نفسك؟ لأنك تجالس أساطين الشائعات وأبطال الأراجيف، وأساتذة التبشير بالفتن والكوارث والمحن، حتى نموت كل يوم سبع مرات قبل أن يصلك الموت (لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا)
إذا ما خلا الجبان بأرض طلب الطعن وحده والنزالا
إذا فرجائي الوحيد إقبالك على شأنك والانزواء في غرفتك إلا من قول خير أو فعل خير، حينها تجد قلبك عاد إليك، فسلم وقتك من الضياع، وعمرك من الإهدار، ولسانك من الغيبة، وقلبك من القلق، وأذنك من الخنا ونفسك من سوء الظن ومن جرب عرف، ومن أركب نفسه مطايا الأهام، واسترسل مع العوام فقل عليه السلام.
السبب الخامس عشر العوض من الله
لا يسلبك الله شيئأ إلا عوضك خيرا منه، إذا صبرت واحتسبت (من أخذت حبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة) يعني عينيه (من سلبت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسب عوضته من الجنه من فقد ابنه وصبر بني له بيت الحمد في الخلد، وقس على هذا المنوال فإن هذا مجرد مثال.
فلا تأسف على مصيبة فإن الذي قدرها عنده جنة وثواب وعوض وأجر عظيم.
إن أولياء الله المصابين المبتلين ينوه بهم في. الفردوس (سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار)
وحق علينا أن ننظر في عوض المصيبة وفي ثوابها وفي خلفها الخير(أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون ) هنيئا للمصابين، بشرى للمنكوبين.
إن عمر الدنيا قصير وكنزها حقير، والآخرة خير وأبقى فمن أصيب هنا كوفي هناك، ومن تعب هنا ارتاح
هناك، أما المتعلقون بالدنيا العاشقون لها الراكنون إليها، فأشد ما على قلوبهم فوت حظوظهم منها وتنغيص راحتهم فيها لأنهم يريدونها وحدها فلذلك تعظم عليهم المصائب وتكبر عندهم النكبات لأنهم ينظرون تحت أقدامهم فلا. يرون إلا الدنيا الفانية الزهيدة الرخيصة.
أيها المصابون ما فات شيء وأنتم الرابحون، فقد بعث لكم برسالة بين أسطرها لطف وعطف وثواب وحسن اختيار إن على المصاب الذي ضرب عليه سرادق المصيبة أن ينظر ليرى أن النتيجة (فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظهره من قبله العذاب) وما عند الله خير وأبقى وأهنأ وأمرأ وأجل وأعلى.
السبب السادس عشر الإيمان هو الحياة
الأشقياء بكل معاني الشقاء هم المفلسون من كنوز الإيمان، ومن رصيد اليقين، فهم أبدا في تعاسة وغضب ومهانة وذلة (ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكا)
لا يسعد النفس ويزكيها ويطهرها ويفرحها ويذهب غمها وهمها وقلقها إلا الإيمان بالله رب العالمين، لا طعم للحياة أصلا إلا بالإيمان.
إذا الإيمان ضاع فلا حياة ولا دنيا لمن لم يحي دينا
إن الطريقة المثلى للملاحدة إن لم يؤمنوا أن ينتحروا ليريحوا أنفسهم من هذه الآصار والأغلال والظلمات والدواهي، يالها من حياة تعيسة بلا إيمان، يالها من لعنة أبدية حاقت بالخارجين على منهج الله في الأرض (ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون) وقد آن الآوان للعالم أن يقتنع كل القناعة وأن يؤمن كل الإيمان بأن لا إله إلا الله بعد تجربة طويلة شاقة عبر قرون غابرة توصل بعدها العقل إلى أن الصنم خرافة والكفر لعنة، والإلحاد كذبة، وأن الرسل صادقون، وأن الله حق له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
وبقدر إيمانك قوة وضعفا، حرارة وبرودة، تكون سعادتك وراحتك وطمأنينتك.
(( من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون )) وهذه الحياة الطيبة هي استقرار نفوسهم لحسن موعود ربهم، وثبات قلوبهم بحب باريهم، وطهارة ضمائرهم من أوضار الانحراف، وبرود أعصابهم أمام الحوادث، وسكينة قلوبهم عند وقع القضاء ورضاهم في مواطن القدر؟ لأنهم رضوا بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا.
السبب السابع عشر: إجن العسل ولا تكسر الخلية
الرفق ما كان في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه، اللين في الخطاب البسمة الرائقة على المحيا، الكلمة الطيبة عند اللقاء، هذه حلل منسوجة يرتديها السعداء، وهي صفات المؤمن كالنحلة تأكل طيبا وتصنع طيبا، وإذا وقعت على زهرة لا تكسرها لأن الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف. إن من الناس من تشرأب لقدومهم الأعناق، وتشخص إلى طلعاتهم الأبصار، وتحييهم الأفئدة وتشيعهم الأرواح؛ لأنهم محبوبون في كلامهم في أخذهم وعطاءهم، في بيعهم وشرائهم، في لقاءهم ووداعهم.
إن اكتساب الأصدقاء فن مدروس يجيده النبلاء الأبرار، فهم محفوفون دائما وأبدا بهالة من الناس إن حضروا فالبشر والأنس، وإن غابوا فالسؤال والدعاء.
سهرنا ونام الركب والليل مسرف وكنت حديث الركب في كل منزل
إن هؤلاء السعداء لهم دستور أخلاق عنوانه: {ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم} فهم يمتصون الأحقاد بعاطفتهم الجياشة، وحلمهم الدافئ، وصفحهم البريء، يتناسون الإساءة ويحفظون الإحسان، تمر بهم الكلمات النابية فلا تلج
آذانهم بل تذهب بعيدا هناك إلى غير رجعة. هم في راحة والناس منهم في أمن والمسلمون منهم في سلام ((المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه الناس على دماءهم وأموالهم )) ((إن الله أمرني أن أصل من قطعني وأن أعفو عمن ظلمني وأن أعطي من حرمني )) {والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس} بشر هؤلاء بثواب عاجل من الطمأنينة والسكينة والهدوء.
من سالم الناس يسلم من عوائلهم ونام وهو قرير العين جذلان
وبشرهم بثواب أخروي كبير في جوار رب غفور في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
السبب الثامن عشر:ألا بذكر الله تطمئن القلوب
الصدق حبيب الله، والصراحة صابون القلوب، والتجربة برهان، والرائد لا يكذب أهله، ولم يوجد عمل أشرح للصدر وأعظم للأجر كالذكر {فاذكروني أذكركم } وذكره سبحانه جنته في أرضه من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة وهو إنقاذ للنفس من أوصابها وأتعابها واضطرابها بل هو طريق ميسر مختصر إلى كل فوز وفلاح.طالع دواوين الوحي لترى فوائد الذكر،وجرب مع الأيام بلسمه لتنال الشفاء.
إذا مرضنا تداوينا بذكرك ونترك الذكر أحيانا فننتكس
بذكره سبحانه تنقشع سحب الخوف والفزع والهم والحزن. بذكره تزاح جبال الكرب والغم والأسى.
ولا عجب أن يرتاح الذاكرون فهذا هو الأصل الأصيل، لكن العجب العجاب كيف يعيش الغافلون عن ذكره {أموات بل أحياء وما يشعرون أيان يبعثون}
يا من شكى الأرق وبكى من الألم وتفجع من الحوادث، ورمته الخطوب هيا اهتف باسمه المقدس، هل تعلم له سميا.
الله أكبر كل هم ينجلي عن قلب كل مكبر ومهلل
بقدر إكثارك من ذكره ينبسط خاطرك، يهدأ قلبك، تسعد نفسك، يرتاح ضميرك، لأن في ذكره جل في علاه معاني التوكل عليه والثقة به والاعتماد عليه والرجوع إليه، وحسن الظن فيه، وانتظار الفرج منه، فهو قريب إذا دعي، سميع إذا نودي، مجيب إذا سئل، فاضرع واخضع واخشع، وردد اسمه الطيب المبارك على لسانك ثناء ومدحا ودعاء وسؤلا واستغفارا، وسوف تجد بحوله وقوته السعادة والأمن والسرور والنور والحبور {فأتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة}.
السبب التاسع عشر:أم يحسدون الناس على ما أتاهم الله من فضله
الحسد كالأكلة الملحة تنخر العظم نخرا، إن الحسد مرض مزمن يعيث في الجسم فسادا، وقد قيل: لا راحة لحسود فهو ظالم في ثوب مظلوم، وعدو في جلباب صديق. وقد قالوا: لله در الحسد ما أعدله، بدأ بصاحبه فقتله.
إنني أنهى نفسي ونفسك عن الحسد رحمة بي وبك، قبل أن نرحم الآخرين؛ لأننا بحسدنا لهم نطعم الهم لحومنا، ونسقي الغم دمائنا ونوزع نوم جفوننا على الآخرين.
إن الحاسد يشعل فرنا ساخنا ثم يقتحم فيه التنغيص والكدر والهم الحاضر أمراض يولدها الحسد لتقضي على الراحة والحياة الطيبة الجميلة.
بلية الحاسد أنه خاصم القضاء واتهم الباري في العدل وأساء الأدب مع الشرع وخالف صاحب المنهج.
يا للحسد من مرض لا يؤجر عليه صاحبه، ومن بلاء لا يثاب عليه المبتلى به، وسوف يبقى هذا الحاسد في حرقة دائمة حتى يموت أو تذهب نعم الناس عنهم. كل يصالح إلا الحاسد فالصلح معه أن تتخلى عن نعم الله وتتنازل عن مواهبك، وتلغي خصائصك، ومناقبك، فإن فعلت ذلك فلعله يرضى على مضض، نعوذ بالله من شر حاسد إذا حسد، فإنه يصبح كالثعبان الأسود السام لا يقر قراره حتى يفرغ سمه في جسم بريء. فأنهاك أنهاك عن الحسد واستعذ بالله من الحاسد فإنه لك بالمرصاد.
السبب العشرون :اقبل الحياة كما هي
طبعت على كدر وأنت تريدها صفوا من الأقذاء و الأكدار
هذا حال الدنيا منغصة اللذات، كثيرة التبعات، جاهمة المحيا، كثيرة التلون، مزجت بالكدر، وخلطت بالنكد، وأنت منها في كبد.
ولن تجد ولدا أو زوجة، أو صديقاً، أو نبيلا، ولا مسكنا ولا وظيفة إلا وفيه ما يكدر وعنده ما يسوء أحياناً، فاطفي حر شره ببرد خيره، لتنجو رأسا برأس والجروح قصاص.
أراد الله لهذه الدنيا أن تكون جامعة للضدين والنوعين والفريقين والرأيين خير وشر، صلاح وفساد، سرور وحزن، ثم يصفو الخير كله والصلاح والسرور في الجنة ويجمع الشر كله والفساد والحزن في النار.وفى الحديث: ((الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالم ومتعلم)) فعش واقعك ولا تسرح مع الخيال وحلق في عالم المثاليات، اقبل دنياك كما هي، وطوع نفسك لمعايشتها ومواطنتها، فسوف لا يصفو لك فيها صاحب ولا يكمل لك فيها أمر؛ لأن الصفو والكمال والتمام ليس من شأنها ولا من صفاتها.
لن تكمل لك زوجة وفي الحديث ((لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منه خلق رضي آخر)).
فينبغي أن نسدد ونقارب ونعفو ونصفح ونأخذ ما تيسر ونذر ما تعسر ونغمض الطرف أحيانا ونسدد الخطى، ونتغافل عن أمور.
ومن لم يصانع في أمور كثيرة يضرس بأنياب ويوطأ بمنسم
السبب الحادي والعشرون: تعز بأهل البلاء
تلفت يمنة ويسرة فهل ترى إلا مبتلى وهل تشاهد إلا منكوباً، في كل دار نائحة، وعلى كل خد دمع وفي كل واد بنو سعد.
أيها الشامت المعير بالدهر أءنت المبرؤ الموفور
كم من المصائب وكم من الصابرين، فلست أنت وحدك المصاب بل مصابك أنت بالنسبة لغيرك قليل،كم من مريض على سريره من أعوام يتقلب ذات اليمين وذات الشمال يئن من الألم ويصيح من السقم.
كم من محبوس مر به سنوات ما رأى الشمس بعينه، وما عرف غير زنزانته.
كم من رجل وامرأة فقدا فلذات أكبادهما في ميعة الشباب وريعان العمر.
كم من مكروب ومديون ومصاب ومنكوب.
آن لك أن تتعز بهؤلاء وأن تعلم علم اليقين أن هذه الحياة سجن للمؤمن ودار للأحزان والنكبات، تصبح القصور حافلة بأهلها وتمسي خاوية على عروشها، بينما الشمل مجتمع والأبدان في عافية والأموال وافرة، والأولاد كثر، ثم ما هي إلا أيام فإذا الفقر والموت والفراق والأمراض {وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال} فعليك أن توطن نفسك كتوطين الجمل المحنك الذي يبرك على الصخرة، وعليك أن توازن مصابك بمن حولك وبمن سبقك في مسيرة الدهر، ليظهر لك أنك معافى بالنسبة لهؤلاء وأنه لم يأتك إلا وخزات سهلة فاحمد الله على لطفه واشكره على ما أبقى، واحتسب ما أخذ، وتعز بمن حولك.
ولولا كثرة الباكين حولي على إخوانهم لقتلت نفسي
ولك قدوة في الرسول صلى الله عليه وسلم وقد وضع السلى على رأسه وأدميت قدماه وشج وجهه وحوصر في الشعب حتى أكل ورق الشجر، وطرد من مكة، وكسرت ثنيته، ورمي عرض زوجته الشريف، وقتل سبعون من أصحابه، وفقد ابنه، وأكثر بناته في حياته، وربط الحجر على بطنه من الجوع، واتهم بأنه شاعر ساحر كاهن مجنون كذاب، صانه الله من ذلك، وهذا بلاء لابد منه وتمحيص لا أعظم منه، وقد قتل قبل زكريا، وذبح يحيى، وهجر موسى، ووضع الخليل في النار،وصار الأئمة على هذا الطريق فضرج عمر بدمه، واغتيل عثمان، وطعن علي، وجلدت ظهر الأئمة وسجن الأخيار ونكل بالأبرار{أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا}
السبب الثاني والعشرون :الصلاة.. الصلاة
{يا أيها الذين ءامنوا استعينوا بالصبر والصلاة }
إذا داهمك الخوف وطوقك الحزن، وأخذ الهم بتلابيبك، فقم حالا إلى الصلاة، تثوب لك روحك وتطمئن نفسك، إن الصلاة كفيلة بإذن الله باجتياح مستعمرات الأحزان والغموم ومطاردة فلول الاكتئاب. كان صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر قال: ((أرحنا بالصلاة يا بلال )) فكانت قرة عينه وسعادته وبهجته.
وقد طالعت سير قوم أفذاذ كانت إذا ضاقت بهم الضوائق وكشرت في وجوههم الخطوب، فزعوا إلى صلاة خاشعة فتعود لهم قواهم وإراداتهم وهممهم.
إن صلاة الخوف فرضت لتؤدى في ساعة الرعب، يوم تتطاير الجماجم، وتسيل النفوس على شفرات السيوف، فإذا أعظم تثبيت وأجل سكينة صلاة خاشعة. إن على الجيل الذي عصفت به الأمراض النفسية أن يتعزف على المسجد، وأن يمرغ جبينه ليرضي ربه أولاً ولينقذ نفسه من هذا العذاب الواصب وإلا فإن الدمع سوف يحرق جفنه والحزن سوف يحطم أعصابه وليس لديه طاقة تمده بالسكينة والأمن إلا الصلاة.
من أعظم النعم لو كنا نعقل هذه الصلوات الخمس كل يوم وليلة كفارة لذنوبنا، رفع لدرجاتنا عند ربنا، ثم هي علاج عظيم لمآسينا ودواء ناجع لأمراضنا، تسكب في ضمائرنا مقادير زاكية من اليقين وتملؤ جوانحنا بالرضا. أما أولئك الذين جانبوا المسجد وتركوا الصلاة، فمن نكد إلى نكد، ومن حزن إلى حزن ومن شقاء إلى شقاء {فتعساً لهم وأضل أعمالهم}.
السبب الثالث والعشرون: حسبنا الله ونعم الوكيل
تفويض الأمر إلى الله، والتوكل عليه، والثقة بوعده، والرضا بصنيعه، وحسن الظن به، وانتظار الفرج منه من أعظم ثمرات الإيمان، ومن أجل صفات المؤمنين، وحينما يطمئن العبد إلى حسن العاقبة ويعتمد على ربه في كل شأنه يجد الرعاية والولاية والكفاية والتأييد والنصرة.
وإذا الرعاية لاحظتك عيونها نم فالحوادث كفهن أمان
لما ألقي إبراهيم عليه السلام في النار قال: حسبنا الله ونعم الوكيل، فجعلها الله عليه بردا وسلاما، ورسولنا صلى الله عليه وسلم وأصحابه لما هددوا بجيوش الكفار وكتائب الوثنية قالوا: {حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم}
إن الإنسان وحده لا يستطيع أن يصارع الأحداث، ولا يقاوم الملمات، ولا ينازل الخطوب؛ لأنه خلق ضعيفا عاجزا، ولكنه حينما يتوكل على ربه ويثق بمولاه، ويفوض الأمر إليه، وإلا فما حيلة هذا العبد الفقير الحقير إذا احتوشته المصائب وأحاطت به النكبات {وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين}
فيا من أراد أن ينصح نفسه توكل على القوي الغني ذي القوة المتين، لينقذك من الويلات، ويخرجك من الكربات، واجعل شعارك ودثارك حسبنا الله ونعم الوكيل، فإن قل مالك، وكثر دينك، وجفت مواردك وشحت مصادرك، فناد حسبنا الله ونعم الوكيل.
وإذا داهمك المرض، وألح عليك السقم، وتضاعف عليك البلاء، فقل حسبنا الله ونعم الوكيل.
وإذا خفت من عدو، أو رعبت من ظالم، أو فزعت مهـن خطب فاهتف حسبنا الله ونعم الوكيل.
{وكفى بربك هاديا ونصيرا}.
السبب الرابع والعشرون :قل سيروا في الأرض
مما يشرح الصدر ويزيح سحب الهم والغم؛ السفر في الديار، وقطع القفار، والتقلب في الأرض الواسعة، والنظر في كتاب الكون المفتوح لتشاهد أقلام القدرة وهي تكتب على صفحات الوجود آيات الجمال، لترى حدائق ذات بهجة، ورياضا أنيقة وجنات ألفافا، أخرج من بيتك وتأمل ما حولك وما بين يديك وما خلفك، اصعد الجبال، اهبط الأودية، تسلق الأشجار، عب من الماء النمير، ضع أنفك على أغصان الياسمين، حينها تجد روحك حرة طليقة، كالطائر الغريد تسبح في فضاء السعادة، أخرج من بيتك، ألق الغطاء الأسود عن عينيك، ثم سر في فجاج الله الواسعة ذاكرا مسبحا.
إن الانزواء في الغرفة الضيقة مع الفراغ القاتل طريق ناجح للانتحار، وليست غرفتك هي العالم ولست أنت كل الناس، فلم الاستسلام أمام كتائب الأحزان، ألا فاهتف ببصرك وسمعك وقلبك: انفروا خفافا وثقالا، تعال لتقرأ القران هنا بين الجداول والخمائل بين الطيور
وهي تتلو خطب الحب، وبين الماء وهو يروي قصة وصوله من التل.
أيها ذا الشاكي وما بك داء كن جميلاً ترى الوجود جميلا
أترى الشوك في الورود ونعمى أن ترى فوقه الندى إكليلا
إن الترحال في مسارب الأرض متعة يوصي بها الأطباء لمن ثقلت عليه نفسه، وأظلم عليه غرفته الضيقة، فهيا بنا نسافر لنسعد ونفرح ونفكر ونتدبر {ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك }.
السبب الخامس والعشرون :فصبر جميل
التحلي بالصبر من شيم الأفذاذ الذين يتلقون المكاره برحابة صدر وبقوة إرادة وبمناعة أبية. وإن لم أصبر أنا وأنت فماذا نصنع؟
هل عندك حل لنا غير الصبر؟ هل تعلم لنا زادا غيره؟ كان أحد العظماء مسرحا تركض فيه المصائب وميدانا تتسابق فيه النكبات كلما خرج من كربة زارته كربة أخرى، وهو متترس بالصبر، متدرع بالثقة بالله، يقول عن حاله:
تنكر لي دهري ولم يدر أنني أعز وأحداث الزمان تهون
فبات يريني الدهر كيف عتوه وبت أريه الصبر كيف يكون
هكذا يفعل النبلاء، يصارعون الملمات ويطرحون النكبات أرضا.
دخلوا على أبي بكر وهو مريض، قالوا: ألا ندعو لك طبيبا ؟ قال: الطبيب قد راني. قالوا: فماذا قال؟ قال: يقول: إني فعال لما أريد.
ومرض أحد الصالحين فقيل له: ماذا يؤلمك؟ فقال:
تموت النفـوس بأوصابها ولم يدر عوادها ما بها
وما أنصفت مهجة تشتكي أذاها إلى غير أحبابها
واصبر وما صبرك إلا بالله، اصبر صبر واثق بالفرج، عالم بحسن المصير، طالب للأجر، راغب في تكفير السيئات، اصبر مهما ادلهمت الخطوب، وأظلمت أمامك الدروب، فإن النصر مع الصبر، وإن الفرج مع الكرب، وإن مع العسر يسرا.
قرأت سير عظماء مروا في هذه الدنيا وذهلت لعظيم صبرهم وقوة احتمالهم، كانت المصائب تقع على رؤوسهم كأنها قطرات ماء باردة، وهم في ثبات الجبال،وفي رسوخ الحق، فما هو إلا وقت قصير فتشرق وجوههم على طلائع فجر الفرج، وفرحة الفتح، وعصر النصر. وأحدهم ما اكتفى بالصبر وحده، بل نازل الكوارث وتحدى المصائب وصاح في وجهها منشدا:
إن كان عندك يا زمان بقية مما يهان به الكرام فهاتها
السبب السادس والعشرون : لا تحمل الكرة الأرضية على رأسك
نفر من الناس تدور في نفوسهم حرب عالمية، وهم على فرش النوم، فإذا وضعت الحرب أوزارها غنموا . قرحة المعدة، وضغط الدم والسكري. يحترقون مع الأحداث، يغضبون من غلاء الأسعار، يثورون لتأخر الأمطار، يضجون لانخفاض سعر العملة، فهم في انزعاج دائم، وقلق واصب (( يحسبون كل صيحة عليهم ))
ونصيحتي لك أن لا تحمل الكرة الأرضية على رأسك، دع الأحداث على الأرض ولا تضعها في أمعاءك. إن البعض عنده قلب كالأسفنجة يتشرب الشائعات والأراجيف ينزعج للتوافه، يهتز للواردات، يضطرب لكل شيء، وهذا القلب كفيل أن يحطم ! صاحبه وأن يهدم كيان حامله.
أهل المبدأ الحق تزيدهم العبر والعظات إيمانا إلى "إيمانهم، وأهل الخور تزيدهم الزلازل خوفا إلى خوفهم، وليس أنفع أمام الزوابع والدواهي من قلب شجاع، فإن المقدام الباسل واسع البطان، ثابت الجأش، راسخ اليقين، بارد الأعصاب، منشرح الصدر، أما الجبان فهو يذبح نفسه كل يوم مرات بسيف التوقعات والأراجيف! والأوهام والأحلام، فإن كنت تريد الحياة المستقرة فواجه الأمور بشجاعة وجلد ولا يستخفنك الذين لا يوقنون، ولا تك في ضيق مما يمكرون، كن أصلب من الأحداث، وأعتى من رياح الأزمات، وأقوى من الأعاصير، وارحمتاه لأصحاب القلوب الضعيفة كم تهزهم الأيام هزا {ولتجدنهم أحرص الناس على حياة} وأما الأباة فهم من الله في مدد، وعلى الوعد في ثقة {فأنزل السكينة عليهم }.
السبب السابع العشرون :لا تحطمك التوافه
كم من مهموم سبب همه أمر حقير تافه لا يذكر.
وتعظم في عين الصغير صغارها وتصغر في عين العظيم العظائم
انظر إلى المنافقين، ما أس