من فضائل القرآن :
الحمد لله على نعمه التي لا تحصى وايادية التي لا تستقصى فالحمد والشكر لمن أنعم اكرمنا بكتاب جلابة عن الابصار العمى واخرج به الأسماع من الصم وانقذ به النفوس من الردى وشفى به القلوب من السقم وخصنا بنبي بعثه الى الاحمر والاسود واصطفاه على العرب والعجم وفضله على كل ملك في حضرته معرب وكل نبي برسالته مكرم .
انزل عليه كتاباً ضمن لقارئه بكل حرف عشر حسنات الى مائة حسنة فإن تدبره فالأمر اجل واعظم القرآن دليل لا يضل في السلوك من تابعه وناصر لا يخشى الخذلان من شائعه ومشيره لايخطئ الصواب من طاوعه اهل القران ائمة بهم اقتدى اهل السلوك الى رضا الجبار وبهم تخلص من نجا من نار خزان وحي الله لم ير غيرهم اهلا لحفظ كلامه المختار لكن عليهم ان يقوموا بالذي فيه من المشروع للأبرار صدق واخلاص وحسن عبادة وقيام ليل مع صيام نهار وتورع وتزهد وتعفف وتشبه بخلائق الأخيار وديانة وصيانة وامانة وتجنب لخلائق الاشرار واداء فرض واجتناب محارم وادامة الحمد والاذكار .
يا حامل القرآن ان تك هكذا فلك الهنى بفوز عقبى الدار ومتى اضعت حدوده لم تنتفع بحروفه وسكنت دار بوار العالم حذر والعارف متيقظ على قدر قرب العبد من الله يكون حظه وكلما توفر نصيب العالم من العلم اشتد حذره ومن عرف مكر الله بأعدائه لم يغتر بطول الحلم فإن العواقب عنا مغنيات وسهام الاقضية الينا مصوبات وما فعلوا لنا الا احسن الظن بكرم الله وقوة الاعتماد عليه ان رحمنا الله فبفضله وان عذبنا فبعدله حسابنا عليه وإنابتنا اليه .
فأحسنوا بالله الظنون والآمال واحلموا اليه بالاعمال فإنه لا يخيب آمال الآملين ولا يضيع اجر العاملين هو الحي لا اله الا هو فادعوه مخلصين لله الدين الحمد لله رب العالمين لا اله الا الله توحيدا يباين عقائد المشركين لا اله الا الله تنزيها يناقض دعاوى المبطلين لا اله الا الله اقرارا بما انكرته عقول الجاحدين لا اله الا الله ايقانا لا يشوبه تردد الشاكين لا اله الا الله الملك الحق المبين لا اله الا الله اسلام من قال له ربه اسلم قال اسلمت لرب العالمين لا اله الا الله شهادة ارجو بها مجاورة الرب الكريم في جنات النعيم مع الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين .
تقدست أسماؤك يا من انزل علينا كبيرا تعالى جدك يا من لم يتخذ في سلطانه مشيرا انت الذي قدرت سير الشمس والقمر في منازل فصول السنة تقديرا وجعلت مواقيت الصلاة مؤقتة لمن اراد ان يذكر او اراد شكورا .
فأين طلاب الارباح هذه مقصورات الخيام بارزة فأين خطاب الملاح لو ان حورا طلعت الى الدنيا لملأتها نورا وعطرا فهل الى مقارنة هذا القرين الصالح مرتاح كيف ينفزع لخطبة الحور من هو مخلد الى دار الغرور ان هجرته الدنيا فهو محرور وان وصلته فهو مسرور قد خدعته اباطيل المنى وغره بالله الغرور ايها الرافل في ثوب الغرور ايها الغافل عن يوم النشور اين ما قدمت للقبر الذى سوف فيه تثوى ما بين القبور اين ما قدمت للحشر الذى فيه تدعو بثبور وحبور اين ما قدمت للمولى الذى هو عدل في قضاء لا يجور احذر الغفلة عنه فهي من اقتل الداء ومن شر الشرور اللهم لا تجعلنا عن ذكرك غافلين ولا عن امرك زائفين وادخلنا في عبادك الذين اصطفيتهم لوراثة كتابك وانظمنا في سلك من اهلته لولائك واغفر لنا بفضلك مغفرة عزما لا نخاف بعدها ظلما ولا هضما .
ففي الحديث من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ومن سأل عن طريق تبلغه الجنة فليمش الى مجلس العلم ففي الحديث من سلك طريقا يلتمس فيها علما سلك الله به طريقا الى الجنة ومن احب الا ينقطع عمله بعد موته فلينشر العلم بالتدوين والتعليم ففي الحديث اذا مات الانسان انقطع عمله الا من ثلاث صدقة جارية او علم ينتفع به او ولد صالح يدعو له وفي الاثر عن علي بن ابي طالب رضي الله عنه اذا مات العالم انثلم في الاسلام ثلمة لا يسدها الا خلف مثله وعن ابي الاسود قال الملوك حكام على الناس والعلماء حكام على الملوك وقال فتح الموصلي اليس المريض اذا منع من الطعام والشراب والدواء يموت قيل له بلى قال فكذلك القلب اذا منع عنه العلم والحكمة ثلاثة ايام يموت وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه من حدث بحديث فعمل به فله اجر مثل ذلك العمل وقال الحسن لولا العلماء لصار الناس امثلهم امثال البهائم فيا من خلقه الله انسانا لا تجعل نفسك بقلة العلم بهيمة ونافس في اعلاء قيمتك بالعلم من ليس له علم فليس له قيمة اغتنم تعلم العلم واحضر مجالسه فمن ليس بعالم ولا متعلم فهو بمنزله البهيمة وليست فطرته سليمة يا طالب المجد والجلالة والرفعة والمكرمات والشرف تعلم العلم واحتسبه لوجه الله لا للمعاش والحرف وخذه من فوق فالعلوم لنا انفعه ما روى عن السلف العلم در اذا افادك في الدين وما لم يفيد كالصدف ان جهلنا العلم فما نحن بجهله معذورين وان تعلمنا ولم نعمل به كنا على ذلك مؤاخذين وان عملنا وعملنا واخلصنا لم نكن بالقول واثقين فما لنا عن التنبه لهذا الخطر العظيم غافلين فكأننا بصحائف اعمالنا عند حضور اجالنا وقد طويت ثم كأننا يوم بها يوم القيامة وقد نشرت وكأننا بسوءاتنا يوم القيامة وقد كشفت فيا خجلتنا يوم الوقوف بين يدي الله ويا حسرتنا على ما فرطنا في جنب الله كفى بالمسيء جزاء على اساءته ان يفوته بياض وجوه المحسنين وعلو درجات المقربين فكيف وقد اوجب لنفسه سوء الحساب واليم العذاب والفضيحة على رءوس الخلائق والتوبيخ على التقصير بين يدي الخالق واغوثاه بالله يفوتنا الخير ونحصل على الشر تدركنا العقوبة ولا نحصل الاجر هذا والله هو الخسران المبين اللهم يا من لا يرضى لنا بدون رضاه عنا ولا يحب لنا الا ما يحبه منا انقذنا من ورطات الهالكين واصلحنا بما اصلحت به عبادك الصالحين ونجنا بمفازات المتقين برحمتك يا ارحم الراحمين
دمتم برعاية الله
التذكرة في الوعظ :أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي