بسم الله الرحمن الرحيم
< tr>
ركضت ورائي مسرعة ووجهها يتهلل بالبشر تشكرني على محاضرتي التي تأثرت بها، وتستشيرني في كيفية دعوة الفتيات والتأثير فيهن، وأردفت توضح أسباب طلبها: (بحمد الله هناك حب وتقارب بيني وبين طالباتي، إلى درجة دعوتهن لي في مناسباتهن الخاصة وتلبيتي لتلك الدعوات العائلية، واستشارتهن لي في حل مشكلاتهن).
وأضافت بحماسة ظاهرة (أرى تأثر واقتناع البنات بما أقول، من دعوتهن للبعد عن المنكرات والتقرب إلى الله بالطاعات، لكن سرعان ما يذهب قولي أدراج الرياح بعد عودتهن إلى أهلهن). وتابعت بألم وحسرة واضحة: (ذكرت لهن حكم الغناء والموسيقى ولاحظت مدى تجاوبهن ومناقشتهن لي خلال الدرس، وحين حضرت زواج أخ إحداهن فإذا بي أفاجأ بالغناء والرقص والموسيقى .. لا أعلم ماذا أفعل فهن عندي شيء وعند أهلهن شيء آخر تماماً؟)
قلت لها عزيزتي.. قد نستعجل جني الثمار قبل نضجها فتفقد لذتها وطعمها، وأحياناً تكون مضرة بالصحة، فأنت الآن في مرحلة بذر البذور فهي بحاجة إلى رعاية وعناية مستمرة لتنمو وتكبر وتثمر، نحن لا نستطيع أن نبذر ونجني الثمر في آن واحد، علينا رعايتها والصبر عليها ومراقبتها ومتابعتها، فكل شيء في وقته حلو وجميل.
وتابعت الحديث لها وهي صامتة ولا تنسي قوله تعالى: (ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء)، فاستمري بدعوتهن وتوجيههن بالحكمة والموعظة الحسنة، وكوني مثالاً وقدوة يحتذي بها، فنحن في عصرٍ قلت فيه القدوات، فلم نجد في الساحة غير فقاعات الصابون التي تطير سريعاً في الهواء وهي تلمع لكنها سرعان ما تنفقع وتتلاشى.
إن القاعدة الأساسية في الدعوة تتضح عندما أمر الله – سبحانه وتعالى – رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم بأن يأمر أهله بالصلاة ويصطبر عليها، ففي الصلاة الدين كله لذا طلب منا الصبر عليها، بل الاصطبار أي إلزام النفس على الصبر. نعم الصبر عبادة ودعوة وعمل، وقاعدة يجب أن نستند إليها في الدعوة والتربية والإصلاح لكل من حولنا، وقدوتنا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فسيرته مليئة بتعامله الحكيم الصابر على تجاوزات بعض المسلمين، وآليته الناضجة في الدعوة الصادقة التي يبتغي من ورائها رضى الله عز وجل.
وتأتي القاعدة الرئيسة في الدين الإسلامي والتي جاءت على لسان النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال: (إن الإيمان يخلُق (أي يَبْلى) كما يخلُق الثوب، فجددوا إيمانكم). وهذا يأتي في مرحلة لاحقة لمرحلة تحقيق الإيمان في النفس وهي الغاية التي أرادتها زميلتي الداعية لطالبتها، فكيف بها تنزعج قبل بلوغ هذه الغاية من تصرفات فتيات مراهقات تأخذهن الدنيا ببهرجها قليلاً، وما أحوجنا إلى قدوات صالحات فاعلات وأيضاً صابرات..
**
مجلة حياة العدد (72) ربيع ثاني 1427هـ
لا تستعجلي جني الثمار!