من كتاب :
درة التزيل ,و غرة التأويل فى الآيات المتشابهات فى كتاب الله العزيز ..
لأبى عبد الله محمد بن عبد الله
المتوفى سنة 420هـ
سورة النازعات الآيتان 34,35
يقول تعالى:
"فَإِذَا جَاءتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى** يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ مَا سَعَى"
و عبس الأية 33
يقول تعالى:
" فَإِذَا جَاءتِ الصَّاخَّةُ"
للسائل أن يسال عما سماه (الطامة الكبرى) وعما سماه(الصاخة) وهل صلح أن تستعمل الأولى مكان الثانية والثانية مكان الأولى؟
والجواب أن يقال :إن الطامة تستعمل فى الشديدة التى تنسى عندها الشدائد فتطم على ما تقدمها,أى تستره وتغطيه ,ومنه يقال : طمّ البئر إذا كبسها -والطم -الكبس,والقيامة هى الطامة ,لأنها تنسى شدتها ما تقدم من شدائد الدنيا حتى يصير الناس فيها كما قال تعالى " كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا " النازعات 43
وإنما تصير الشدائد عندها محتقرة بمنزلة ما لم يروه إلا ساعة كعشية أو ضحاها .وإنما أستعملت الطامة الكبرى فى هذه السورة,لأن فيها ذكر ما أوتى به فرعون من الطامة الكبرى فى الكفر حيث قال " أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى "النازعات 24
فهذه من الكبائر كشديدة الأخرة فى الشدائد فكأنه قرن الى ذكر الكبيرة الموفية على أمثالها ذكر الطامة الكبرى وأهوالها ..
وأما الصاخة فهى كصيحة تطعن الأذان فتصمها,يقال صخ الغراب بمنقاره فى دبر البعير,أى طعن ,فالصاخة صيحة شديدة لشدة صوتها تحى له الناس كالصيحة الشديدة التى يتنبه لها النوام ,فلما تقدم فى هذه السورة من حالة الإنسان ما نطق به قوله " ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ * ثُمَّ إِذَا شَاء أَنشَرَهُ " عبس 21,20 ..كان الإنشار بالصاخة التى تطعن الآذان فيقضى الله عنها إحياء الموتى ,فقارن الأيات التى فى السورة الأولى ما شاكلها ,والآيات فى الأخرة ما شابهها .والسلام.